مسلمو استراليا .. الصعوبات لا تلغي النجاحات (عشاق المنتدى )

تصاعدت
الحملة اليمينية المتطرفة ضد مسلمي استراليا في الآونة الأخيرة حيث يتبارى
كبار الساسة والبرلمانيون في كيل الاتهامات للمسلمين بالتطرف، ودعم
الإرهاب، وتشكيل خطورة كبيرة على الحضارة الاسترالية.
وقد بدأ هذه
الحملة رئيس الوزراء الاسترالي (جون هاوارد) الذي هاجم فيه مسلمي استراليا
الذين يمجّدون الجهاد، ويعتمدون مواقف متطرفة تجاه النساء، والذين لديهم
قناعات متعارضة تماماً مع المنظومة القيمية الاسترالية، وعبر (هاوارد) عن
شعوره بالقلق تجاه المهاجرين المسلمين الذين يتمسكون بالجهاد، والمعادون
–بطبعهم- للمجتمع الاسترالي، زاعماً أن هؤلاء المهاجرين قد يتسببون في
مشاكل كثيرة لاستراليا لا يمكن أن تجد لها مثيلاً في الهجرة غير
الاسترالية القادمة من إيطاليا واليونان أو لبنان "مسيحيون طبعاً" أو
الصين وجمهوريات البلطيق.
وشدد (هاوارد) على أنه ليس بإمكان هذه القلة المتطرفة الاندماج في المجتمع الاسترالي، وهو ما يشكل صعوبات بالغة أمام الحكومة والشعب.
ولم
يمر وقت طويل على تصريحات (هاوارد) المتطرفة حتى زاد (بيتر كوستيلو) وزير
المالية الاسترالي والمرشح لخلافة (هاوارد) الطين بلة بتأكيدات مماثلة بأن
المسلمين الراغبين في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية "ليسوا موضع ترحيب"
في البلاد، مشيراً إلى أن قبول قيم استراليا هو دليل احترام يوازي "نزع
الحذاء" لدى الدخول إلى مسجد؛ فإذا كنت تعارض دخول المسجد دون حذاء يجب
ألاّ تتوجه إلى المسجد ـ على حد قوله، وتابع (كوستيلو) قبل أن تصبح
استرالياً يُطلب منك أن تقبل ببعض القيم، إذا كنت معارضا تماماً لهذه
القيم عندها عليك عدم المجيء إلى استراليا. داعياً إلى سحب الجنسية
الاسترالية من المهاجرين الذين يحملون جنسيتين، والذين لا يحترمون القيم
الاسترالية، وإعادتهم إلى بلدانهم .

تصريحات معادية

التصريحات المعادية
للجالية المسلمة من كل من (هاوراد) و(كوستيلو) -والتي وُوجهت بإدانة تامة
من جميع الفعاليات المسلمة والتعصب ضدها- نكأت الجرح العميق لمسلمي
استراليا الذين يواجهون مصاعب جمة في المجتمع الاسترالي منذ أحداث الحادي
عشر من سبتمبر 2001، بدأت بشن هجمات عنصرية عليهم، وتوقيف المئات منهم
باتهامات بالارتباط بالقاعدة والتنظيمات الراديكالية، والاعتداء على سيدات
مسلمات في الميادين الرئيسة، ومحاولة نزع الحجاب عن رؤوسهن ووصولاً إلى
إرسال رسائل عبر البريد الإليكتروني إلى ملايين الاستراليين تطالبهم بضرب
من أسموهم "العرب واللبنانيين الزنوج".
ويشعر حوالي (350) ألف مسلم من
أكثر من (60) دولة، ويسكنون المدن الكبرى كالعاصمة كانيبرا وسيدني ونيوكا
ستيل وكويز لاند وملبورن بأنهم جالية غير مرغوب فيها وسط (20) مليون
استرالي يمثلون مجمل سكان الدولة القارة نتيجة تنامي الأصوات المطالبة
بترحيلهم، والتعامل معهم بأقصى درجات التشدد، كما حدث في الفترة الأخيرة
بعد تبني البرلمان الاسترالي لمجموعة تشريعات أطلق عليها "قوانين
(هاوارد)" لمكافحة الإرهاب، والتي تعطي الأجهزة الأمنية الحقّ في ملاحقة
المشتبه في تورطهم بدعم أعمال إرهابية، أو التحريض عليها لمدة (14) يوماً
بدون توجيه أي اتهام ، كما تعطي هذه القوانين الحقّ لسلطات الهجرة
الاسترالية وضع قيود على جلب أئمة ووُعّاظ من دول إسلامية، تتمثل في ضرورة
عدم تورطهم في التحريض على العنف أو الإرهاب، وإجادة لغة البلاد واحترامهم
لمنظومتها القيمية.
وقد واجهت هذه القوانين معارضة شديدة من جانب ممثلي
الأقلية الإسلامية في استراليا، و من الأحزاب الليبرالية ومنظمات حقوق
الإنسان، وهي المعارضة التي ألزمت (هاوارد) بتحديد مدة زمنية تُقدّر بخمس
سنوات لمراجعة هذه القوانين.

كراهية وتعصب

ويشعر المسلمون برغبة
الحكومة الاسترالية في تذويب هويتهم الإسلامية، وتحويلهم إلى استراليين
100 % بدون الوضع في الاعتبار خصوصيتهم الدينية والثقافية، وهو ما ظهر
جلياً عندما أدخلت الحكومة تعديلات على قوانين الأسرة التي تلغي أي قِوامة
للأسرة، وإنهاء دورها إذا ما بلغ الشاب أو الفتاة سنّ السادسة عشرة؛ إذ
تمنح كلاهما الحق في الانفصال عن الأسرة، وهو ما يحمل مخاطر عديدة على
هوية الجيل الثاني للمهاجرين المسلمين.
وقد أجبرت هذه التعديلات على
قانون الأسرة الجالية المسلمة على التنبه لهذه المخاطر، وتوفير أكبر قدر
على إكساب أطفالهم التقاليدَ والعادات العربية والإسلامية حتى لا تزداد
مخاطر هذا القانون .

نجاحات

الحملات الشديدة
والمتنوعة ضد المسلمين سواء أخذت شكلاً أمنياً أو ثقافياً لا ينفي أن
الجالية المسلمة قد استفادت كثيراً من الأجواء العلمانية المسيطرة على
استراليا، ونجحوا في انتزاع حقوقهم المتمثلة في بناء المساجد والمدارس
الإسلامية التي كان لها دور في إبراز الخصوصية الإسلامية عن طريق
المعسكرات الإسلامية، وتنامي مؤسسات التوجيه الديني، وعلى رأسها الإذاعات
العربية والإسلامية التي تبث من هناك؛ غير أن مسألة نقص الدعاة ووضع
الحكومة الاسترالية لقيود على جلبهم من البلدان العربية والإسلامية قد
أوجد مشكلة كبيرة لأعضاء الجالية، كما أن تشديد الضغوط على المدارس
الإسلامية الموجودة في الغرب الاسترالي قد أدى إلى تراجع دورها، وتفشي
حالة من الجهل بتعاليم الإسلام لدى الجيل الثاني من أبناء المهاجرين من
المسلمين خصوصاً مع تبني الحكومة الاسترالية لإستراتيجية فرض مراقبة شرسة
على المدارس والمراكز الإسلامية لوضع حد للتحريض على العنف على حد تعبير
العديد من المسؤولين الاستراليين. غير أن كل هذه الإجراءات لم تمنع
المسلمين هناك من تحقيق نجاحات عديدة في مختلف المجالات؛ فلقد لعبت
الجالية دوراً كبيراً في عدم إقدام الحكومة الاسترالية على حظر الحجاب
داخل المدارس، ووافقت الحكومة على تخصيص مقابر خاصة للمسلمين، وافتتحت لهم
مذابح شرعية بعد تنامي مطالبهم بهذا الأمر، كما أن أعداد المسلمين في
استراليا قد شهدت تزايداً كبيراً في الفترة الأخيرة، هذا غير إقبال عدد
كبير من الاستراليين الذين تعاطفوا مع الإسلام عبر اقتناء الكتب الخاصة به
مما أسهم في اعتناق أكثر من (15) ألف استرالي للإسلام بعد أحداث الحادي
عشر من سبتمبر في نيويورك وواشنطن؛ إذ أسهم هذا الأمر في التعرّف على
الإسلام وإدراك الأهداف الخبيثة لمحاولات تشويهه، لدرجة أن كثيراً من
الاستراليين أعربوا عن استيائهم من محاولة إلصاق الإرهاب بالإسلام الذي
وجدوا فيه أجوبة عن أشياء عديدة افتقدوها في إنجيلهم، مما ساعد على مواجهة
محاولات اللوبي الصهيوني لاستعداء الحكومة الاسترالية على الوجود
الإسلامي.

انفتاح

ويشعر الكثير من
المراقبين بقدرة مسلمي استراليا على التقليل من ضراوة الحملة التي تُشن
عليهم في ظل انفتاحهم على الدولة، ودخولهم في حوار مع رئيس الوزراء (جون
هاوارد)، وإدانتهم التامة لأي تفجيرات إرهابية، مثلما حدث في بالي
بإندونيسيا أو التفجيرات الأخيرة في لندن، وكان لهذا الموقف الواضح دور
كبير في إفشال حملات الاستعداء الشديدة عليهم.
ويرى د. أحمد عبد الرحمن
المفكر الإسلامي والمتخصص في شؤون الأقليات الإسلامية أن الجالية المسلمة
في استراليا قد تعرضت لصعوبات بالغة في الفترة الأخيرة، تمثلت في الضغوط
الأمنية، وسن قوانين متشددة لمكافحة الإرهاب، بدعم من اللوبي الصهيوني
المتنامي النفوذ؛ ذلك بعد شعوره بتحقيق هذه الجالية لنجاحات واضحة.
ويعتقد
عبد الرحمن بأن هذه الضغوط ستخفق في تحقيق أهدافها، خصوصاً أن الجالية
المسلمة في استراليا يتميز تكوينها حالياً بنوعية تضم كوادر فنية تعمل في
مهن راقية لديها القدرة على الاندماج في المجتمع الاسترالي، وحشد دعم كبير
ضد أي محاولات لتشويه صورتها، في ظل تنامي التعاطف مع المسلمين هناك، ولم
يستبعد عبد الرحمن أن تؤدي قوانين الإرهاب الأخيرة إلى محاصرة الوجود
الإسلامي المتنامي في استراليا بشكل كبير، خصوصاً أن (ها وارد) يحاول
الظهور بمظهر رجل الدولة القوي أمام شعبه، ويعتبر تشديد الضغوط على
المسلمين السبيل الوحيد لرفع أسهم حزبه أمام قوى المعارضة، معتقداً أن
مستقبلاً جيداً ينتظر هذه الجالية التي حققت نجاحات كبيرة في الفترة
الأخيرة، جعلت الأغلبية العظمى من المجتمع الاسترالي تدرك أنه من الظلم
الحكم على الأغلبية المسلمة بتصرفات فردية من متطرفين.